فصل: التّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فصل هَلْ يَنْتَفِي الْحَمْلُ بِاللّعَانِ:

وَمِنْهَا: أَنّ الْحَمْلَ يَنْتَفِي بِلِعَانِهِ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ وَمَا هَذَا الْحَمْلُ مِنّي وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ وَقَدْ اسْتَبْرَأْتهَا هَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَقَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَهْلِ الظّاهِرِ وَقَالَ الشّافِعِيّ يَحْتَاجُ الرّجُلُ إلَى ذِكْرِ الْوَلَدِ وَلَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ إلَى ذِكْرِهِ وَقَالَ الْخِرَقِيّ وَغَيْرُهُ يَحْتَاجَانِ إلَى ذِكْرِهِ وَقَالَ الْقَاضِي: يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ زِنًا وَلَيْسَ هُوَ مِنّي. وَهُوَ الشّافِعِيّ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ أَصَحّ الْأَقْوَالِ وَعَلَيْهِ تَدُلّ السّنّةُ الثّابِتَةُ. فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَاعَنَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ وَانْتَفَى مِنْ ولدها ففرق بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ. وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَكَانَتْ حَامِلًا فَأَنْكَرَ حَمْلَهَا. وَقَدْ حَكَمَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَهَذِهِ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ حَالَ كَوْنِهَا حَامِلًا فَالْوَلَدُ لَهُ فَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ إلّا بِنَفْيِهِ. قِيلَ هَذَا مَوْضِعُ تَفْصِيلٍ لَابُدّ مِنْهُ وَهُوَ أَنّ الْحَمْلَ إنْ كَانَ سَابِقًا عَلَى مَا رَمَاهَا بِهِ وَعَلِمَ أَنّهَا زَنَتْ وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَالْوَلَدُ لَهُ قَطْعًا وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ بِلِعَانِهِ وَلَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ عَنْهُ فِي اللّعَانِ فَإِنّهَا لَمّا عُلّقَتْ بِهِ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ وَكَانَ الْحَمْلُ لَاحِقًا بِهِ فَزِنَاهَا لَا يُزِيلُ حُكْمَ لِحَوْقِهِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَمْلَهَا حَالَ زِنَاهَا الّذِي قَدْ قَذَفَهَا بِهِ فَهَذَا يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لَأَقَلّ مِنْ سِتّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الزّنَى الّذِي رَمَاهَا بِهِ فَالْوَلَدُ لَهُ وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ بِلِعَانِهِ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الزّنَى الّذِي رَمَاهَا بِهِ نُظِرَ فَإِمّا أَنْ يَكُونَ اسْتَبْرَأَهَا قَبْلَ زِنَاهَا أَوْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا فَإِنْ كَانَ اسْتَبْرَأَهَا انْتَفَى الْوَلَدُ عَنْهُ بِمُجَرّدِ اللّعَانِ سَوَاءٌ نَفَاهُ أَوْ لَمْ يَنْفِهِ وَلَابُدّ مِنْ ذِكْرِهِ عِنْدَ مَنْ يَشْتَرِطُ ذِكْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا فَهَاهُنَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الزّانِي فَإِنْ نَفَاهُ فِي اللّعَانِ انْتَفَى وَإِلّا لَحِقَ بِهِ لِأَنّهُ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ وَلَمْ يَنْفِهِ.
قِيلَ فَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ حَكَمَ بَعْدَ اللّعَانِ وَنَفَى الْوَلَدَ بِأَنّهُ إنْ جَاءَ يُشْبِهُ الزّوْجَ صَاحِبَ الْفِرَاشِ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ جَاءَ يُشْبِهُ الّذِي رُمِيَتْ بِهِ فَهُوَ لَهُ فَمَا قَوْلُكُمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ إذَا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا ثُمّ جَاءَ الْوَلَدُ يُشْبِهُهُ هَلْ تُلْحِقُونَهُ بِهِ بِالشّبَهِ عَمَلًا بِالْقَافَةِ أَوْ تَحْكُمُونَ بِانْقِطَاعِ نَسَبِهِ مِنْهُ عَمَلًا بِمُوجَبِ لِعَانِهِ؟ قِيلَ هَذَا مَجَالٌ ضَنْكٌ وَمَوْضِعٌ ضَيّقٌ تُجَاذِبُ أَعِنّتُهُ اللّعَانَ الْمُقْتَضِي لِانْقِطَاعِ النّسَبِ وَانْتِفَاءِ الْوَلَدِ وَأَنّهُ يُدْعَى لِأُمّهِ وَلَا يُدْعَى لِأَبٍ وَالشّبَهُ الدّالّ عَلَى ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنْ الزّوْجِ وَأَنّهُ ابْنُهُ مَعَ شَهَادَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّهَا إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى شَبَهِهِ فَالْوَلَدُ لَهُ وَأَنّهُ كَذَبَ عَلَيْهَا فَهَذَا مَضِيقٌ لَا يَتَخَلّصُ مِنْهُ إلّا الْمُسْتَبْصِرُ الْبَصِيرُ بِأَدِلّةِ الشّرْعِ وَأَسْرَارِهِ وَالْخَبِيرُ بِجَمْعِهِ وَفَرْقِهِ الّذِي سَافَرَتْ بِهِ هِمّتُهُ إلَى مَطْلَعِ الْأَحْكَامِ وَالْمِشْكَاةِ الّتِي مِنْهَا ظَهَرَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ. وَاَلّذِي يَظْهَرُ فِي هَذَا وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التّكْلَانُ أَنّ حُكْمَ اللّعَانِ قَطَعَ حُكْمَ الشّبَهِ وَصَارَ مَعَهُ بِمَنْزِلَةِ أَقْوَى الدّلِيلَيْنِ مَعَ أَضْعَفِهِمَا فَلَا عِبْرَةَ لِلشّبَهِ بَعْدَ مُضِيّ حُكْمِ اللّعَانِ فِي تَغْيِيرِ أَحْكَامِهِ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُخْبِرْ عَنْ شَأْنِ الْوَلَدِ وَشَبَهِهِ لِيُغَيّرَ بِذَلِكَ حُكْمَ اللّعَانِ وَإِنّمَا أَخْبَرَ عَنْهُ لِيَتَبَيّنَ الصّادِقُ مِنْهُمَا مِنْ الْكَاذِبِ الّذِي قَدْ اسْتَوْجَبَ اللّعْنَةَ وَالْغَضَبَ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ قَدَرِيّ كَوْنٍ يَتَبَيّنُ بِهِ الصّادِقُ مِنْ الْكَاذِبِ بَعْد تَقَرّرِ الْحُكْمِ الدّينِيّ وَأَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ سَيَجْعَلُ فِي الْوَلَدِ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ انْتِفَائِهِ مِنْ الْوَلَد وَقَالَ إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَلَا أَرَاهُ إلّا صَدَقَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَلَا أَرَاهُ إلّا كَذَبَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النّعْتِ الْمَكْرُوهِ فَعُلِمَ أَنّهُ صَدَقَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَعْرِضْ لَهَا وَلَمْ يُفْسَخْ حُكْمُ اللّعَانِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهَا بِحُكْمِ الزّانِيَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنّهُ صَدَقَ عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ لَوْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى شَبَهِ الزّوْجِ يُعْلَمُ أَنّهُ كَذَبَ عَلَيْهَا وَلَا يُغَيّرُ ذَلِكَ حُكْمَ اللّعَانِ فَيُحَدّ الزّوْجُ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ فَلَيْسَ قَوْلُهُ إنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيّةَ إلْحَاقًا لَهُ بِهِ فِي الْحُكْمِ كَيْفَ وَقَدْ نَفَاهُ بِاللّعَانِ وَانْقَطَعَ نَسَبُهُ بِهِ كَمَا أَنّ قَوْلَهُ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِلّذِي رُمِيَتْ بِهِ. لَيْسَ إلْحَاقًا بِهِ وَجَعْلَهُ ابْنَهُ وَإِنّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ أَظْهَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ آيَةً تَدُلّ عَلَى كَذِبِ الْحَالِفِينَ لَمْ يَنْتَقِضْ حُكْمُهَا بِذَلِكَ وَكَذَا لَوْ حُكِمَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الدّعْوَى بِيَمِينِ ثُمّ أَظْهَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ آيَةً تَدُلّ عَلَى أَنّهَا يَمِينٌ فَاجِرَةٌ لَمْ يَبْطُلْ الْحُكْمُ بِذَلِكَ.

.فصل هَلْ يُحَدّ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزّنَى بِرَجُلِ بِعَيْنِهِ:

وَمِنْهَا: أَنّ الرّجُلَ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ بِالزّنَى بِرَجُلِ بِعَيْنِهِ ثُمّ لَاعَنَهَا سَقَطَ الْحَدّ عَنْهُ لَهُمَا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الرّجُلِ فِي لِعَانِهِ وَإِنْ لَمْ يُلَاعِنْ فَعَلَيْهِ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدّهُ وَهَذَا مَوْضِعٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَة وَمَالِكٌ يُلَاعَنُ لِلزّوْجَةِ وَيُحَدّ لِلْأَجْنَبِيّ وَقَالَ الشّافِعِيّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يَجِبُ عَلَيْهِ حَدّ وَاحِدٌ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدّ لَهُمَا بِلِعَانِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالْقَوْلُ الثّانِي لِلشّافِعِيّ أَنّهُ يُحَدّ لِكُلّ وَاحِدٍ حَدّا فَإِنْ ذَكَرَ الْمَقْذُوفَ فِي لِعَانِهِ سَقَطَ الْحَدّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا: يَسْتَأْنِفُ اللّعَانَ وَيَذْكُرُهُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ حُدّ لَهُ.
وَالثّانِي: أَنّهُ يَسْقُطُ حَدّهُ بِلِعَانِهِ كَمَا يَسْقُطُ حَدّ الزّوْجَةِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ الْقَذْفُ لِلزّوْجَةِ وَحْدَهَا وَلَا يَتَعَلّقُ بِغَيْرِهَا حَقّ الْمُطَالَبَةِ وَلَا الْحَدّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشّافِعِيّ يَجِبُ الْحَدّ لَهُمَا وَهَلْ يَجِبُ حَدّ وَاحِدٌ أَوْ حَدّانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ لَا يَجِبُ إلّا حَدّ وَاحِدٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ أَنّهُ إذَا لَاعَنَ وَذَكَرَ الْأَجْنَبِيّ فِي لِعَانِهِ أَنّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَعَلَى قَوْلَيْنِ الصّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنّهُ لَا يَسْقُطُ.
وَاَلّذِينَ أَسْقَطُوا حُكْمَ قَذْفِ الْأَجْنَبِيّ بِاللّعَانِ حُجّتُهُمْ ظَاهِرَةٌ وَقَوِيّةٌ جِدّا فَإِنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَحُدّ الزّوْجَ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ وَقَدْ سَمّاهُ صَرِيحًا وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنّ الْمَقْذُوفَ كَانَ يَهُودِيّا وَلَا يَجِبُ الْحَدّ بِقَذْفِ الْكَافِرِ.
وَالثّانِي: أَنّهُ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ وَحَدّ الْقَذْفِ إنّمَا يُقَامُ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ. وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ هَذَيْنَ الْجَوَابَيْنِ وَقَالُوا: قَوْلُ مَنْ قَالَ إنّهُ يَهُودِيّ بَاطِلٌ فَإِنّهُ شَرِيكُ بْنُ عَبْدَةَ وَأُمّهُ سَحْمَاءُ وَهُوَ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ وَهُوَ أَخُو الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمّهِ. قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ بَزِيزَةَ فِي شَرْحِهِ لِأَحْكَامِ عَبْدِ الْحَقّ قَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي شَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ الْمَقْذُوفِ فَقِيلَ إنّهُ كَانَ يَهُودِيّا وَهُوَ بَاطِلٌ وَالصّحِيحُ أَنّهُ شَرِيكُ بْنُ عَبْدَةَ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ وَهُوَ أَخُو الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمّهِ. وَأَمّا الْجَوَابُ الثّانِي فَهُوَ يَنْقَلِبُ حُجّةً عَلَيْكُمْ لِأَنّهُ لَمّا اسْتَقَرّ عِنْدَهُ أَنّهُ لَا حَقّ لَهُ فِي هَذَا الْقَذْفِ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ وَلَمْ يَتَعَرّضْ لَهُ وَإِلّا كَيْفَ يَسْكُتُ عَنْ بَرَاءَةِ عِرْضِهِ وَلَهُ طَرِيقٌ إلَى إظْهَارِهَا بِحَدّ قَاذِفِهِ وَالْقَوْمُ كَانُوا أَشَدّ حَمِيّةً وَأَنَفَةً مِنْ ذَلِكَ؟ وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ اللّعَانَ أُقِيمَ مَقَامَ الْبَيّنَةِ لِلْحَاجَةِ وَجُعِلَ بَدَلًا مِنْ الشّهُودِ الْأَرْبَعَةِ وَلِهَذَا كَانَ الصّحِيحُ أَنّهُ يُوجِبُ الْحَدّ عَلَيْهَا إذَا نَكَلَتْ فَإِذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الشّهَادَةِ فِي أَحَدِ الطّرَفَيْنِ كَانَ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الطّرَفِ الْآخَرِ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تُحَدّ الْمَرْأَةُ بِاللّعَانِ إذَا نَكَلَتْ ثُمّ يُحَدّ الْقَاذِفُ حَدّ الْقَذْفِ وَقَدْ أَقَامَ الْبَيّنَةَ عَلَى صِدْقِ قَوّلْهُ وَكَذَلِكَ إنْ جَعَلْنَاهُ يَمِينًا فَإِنّهَا كَمَا دَرَأَتْ عَنْهُ الْحَدّ مِنْ طَرَفٍ الزوجة دَرَأَتْ عَنْهُ مِنْ طَرَف الْمَقْذُوفُ وَلَا فرق لِأَنّهُ بِهِ حَاجَةٌ إلَى قَذْفِ الزّانِي لِمَا أَفْسَدَ عَلَيْهِ مِنْ فراشه وَرُبّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَرَهُ لِيَسْتَدِلّ بِشِبْهِ الْوَلَدِ لَهُ عَلَى صِدْق قَاذِفهُ كَمَا اسْتَدَلّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى صِدْق هِلَال بِشِبْهِ الْوَلَدِ بِشَرِيك بْن سحماء فَوَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ حُكْمُ قَذْفِهِ مَا أَسْقَطَ حُكْم قذفها وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلزّوْجِ الْبَيّنَة وَإِلّا حَدّ فِي ظَهْرِك وَلَمْ يَقِلْ وَإِلّا حدان هَذَا وَالْمَرْأَةُ لَمْ تُطَالِبْ بحد القذف فَإِنّ الْمُطَالَبَةَ شَرْطٌ فِي إقَامَةِ الحد لَا فِي وجوبه وَهَذَا جَوَاب آخَر عَنْ قَوْلِهِمْ إنْ شَرِيكًا لَمْ يُطَالِبْ بالحد فَإِنّ الْمَرْأَةَ أَيْضًا لَمْ تُطَالِبْ بِهِ وَقَدْ قَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَيّنَةُ وَإِلّا حَدّ فِي ظَهْرِك. قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيّةً بِالزّنَى بِرَجُلِ سَمّاهُ؟ فَقَالَ زَنَى بِكِ فُلَانٌ أَوْ زَنَيْتِ بِهِ؟ قِيلَ هَاهُنَا يَجِبُ عَلَيْهِ حَدّانِ لِأَنّهُ قَاذِفٌ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يَأْتِ بِمَا يُسْقِطُ مُوجَبَ قَذْفِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ إذْ لَيْسَ هُنَا بَيّنَةٌ بِالنّسْبَةِ إلَى أَحَدِهِمَا وَلَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا.

.فصل إذَا لَاعَنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَانْتَفَى مِنْ حَمْلِهَا انْتَفَى عَنْهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ وَضْعِهِ:

وَمِنْهَا: أَنّهُ إذَا لَاعَنَهَا وَهِيَ حَامِلٌ وَانْتَفَى مِنْ حَمْلِهَا انْتَفَى عَنْهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يُلَاعِنَ بَعْدَ وَضْعِهِ كَمَا دَلّتْ عَلَيْهِ السّنّةُ الصّحِيحَةُ الصّرِيحَةُ وَهَذَا مَوْضِعٌ اُخْتُلِفَ فِيهِ. فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللّهُ لَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِهِ حَتّى تَضَعَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رِيحًا فَتَنْفُشَ وَلَا يَكُونُ لِلّعَانِ حِينَئِذٍ مَعْنًى وَهَذَا هُوَ الّذِي ذَكَرَهُ الْخِرَقِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَقَالَ وَإِنْ نَفَى الْحَمْلَ فِي الْتِعَانِهِ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ حَتّى يَنْفِيَهُ عِنْدَ وَضْعِهَا لَهُ وَيُلَاعِنُ وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ وَخَالَفَهُمْ أَبُو مُحَمّدٍ الْمَقْدِسِيّ كَمَا يَأْتِي كَلَامُهُ. وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ فِي حَالِ الْحَمْلِ اعْتِمَادًا عَلَى قِصّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيّةَ فَإِنّهَا صَرِيحَةٌ صَحِيحَةٌ فِي اللّعَانِ حَالَ الْحَمْلِ وَنَفْيِ الْوَلَدِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَذَا وَكَذَا فَلَا أَرَاهُ إلّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا... الْحَدِيثُ. قَالَ الشّيْخُ فِي الْمُغْنِي: وَقَالَ مَالِكٌ وَالشّافِعِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ: يَصِحّ نَفْيُ الْحَمْلِ وَيَنْتَفِي عَنْهُ مُحْتَجّينَ بِحَدِيثِ هِلَالٍ وَأَنّهُ نَفَى حَمْلَهَا فَنَفَاهُ عَنْهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَلْحَقَهُ بِالْأُمّ وَلَا خَفَاءَ أَنّهُ كَانَ حَمْلًا وَلِهَذَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُنْظُرُوهَا فَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا قَالَ وَلِأَنّ الْحَمْلَ مَظْنُونٌ بِأَمَارَاتِ تَدُلّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا تَثْبُتُ لِلْحَامِلِ أَحْكَامٌ تُخَالِفُ فِيهَا الْحَائِلَ مِنْ النّفَقَةِ وَالْفِطَرِ فِي الصّيَامِ وَتَرْكِ إقَامَةِ الْحَدّ عَلَيْهَا وَتَأْخِيرِ الْقِصَاصِ عَنْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَيَصِحّ اسْتِلْحَاقُ الْحَمْلِ فَكَانَ كَالْوَلَدِ بَعْدَ وَضْعِهِ. قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصّحِيحُ لِمُوَافَقَتِهِ ظَوَاهِرَ الْأَحَادِيثِ وَمَا خَالَفَ الْحَدِيثَ لَا يُعْبَأُ بِهِ كَائِنًا مَا كَانَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِزَوَالِ الْفِرَاشِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَكَرَهُ فِي اللّعَانِ احْتِجَاجًا بِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ حَيْثُ لَمْ يَنْقُلْ نَفْيَ الْحَمْلِ وَلَا تَعَرّضَ لِنَفْيِهِ. وَأَمّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةْ رَحِمَهُ اللّهُ فَإِنّهُ لَا يَصِحّ نَفْيُ الْحَمْلِ وَاللّعَانُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَاعَنَهَا حَامِلًا ثُمّ أَتَتْ بِالْوَلَدِ لَزِمَهُ عِنْدَهُ وَلَمْ يَتَمَكّنْ مِنْ نَفْيِهِ أَصْلًا لِأَنّ اللّعَانَ لَا يَكُونُ إلّا بَيْنَ الزّوْجَيْنِ وَهَذِهِ قَدْ بَانَتْ بِلِعَانِهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا. قَالَ الْمُنَازِعُونَ لَهُ هَذَا فِيهِ إلْزَامُهُ وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُ وَسَدّ بَابِ الِانْتِفَاءِ مِنْ أَوْلَادِ الزّنَى وَاللّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ جَعَلَ لَهُ إلَى ذَلِكَ طَرِيقًا فَلَا يَجُوزُ سَدّهَا قَالُوا: وَإِنّمَا تُعْتَبَرُ الزّوْجِيّةُ فِي الْحَالِ الّتِي أَضَافَ الزّنَى إلَيْهَا فِيهَا لِأَنّ الْوَلَدَ الّذِي تَأْتِي بِهِ يَلْحَقُهُ إذَا لَمْ يَنْفِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى نَفْيِهِ وَهَذِهِ كَانَتْ زَوْجَتَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَمَلَكَ نَفْيَ وَلَدِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ. وَمُحَمّدٌ لَهُ أَنْ يَنْفِيَ الْحَمْلَ مَا بَيْنَ الْوِلَادَةِ إلَى تَمَامِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً مِنْهَا. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ: لَا يُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْحَمْلِ إلّا أَنْ يَنْفِيَهُ ثَانِيَةً بَعْدَ الْوِلَادَةِ. وَقَالَ الشّافِعِيّ: إذَا عَلِمَ بِالْحَمْلِ فَأَمْكَنَهُ الْحَاكِمُ مِنْ اللّعَانِ فَلَمْ يُلَاعِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ بَعْدُ.

.مَسْأَلَةٌ فِيمَا لَوْ اسْتَلْحَقَ الْحَمْلَ وَقَذَفَهَا بِالزّنَى:

فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَقُولُونَ لَوْ اسْتَلْحَقَ الْحَمْلَ وَقَذَفَهَا بِالزّنَى فَقَالَ هَذَا الْوَلَدُ مِنّي وَقَدْ زَنَتْ مَا حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ قِيلَ قَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا: أَنّهُ يُحَدّ وَيَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَلَا يُمَكّنُ مِنْ اللّعَانِ.
وَالثّانِي: أَنّهُ يُلَاعِنُ وَيَنْتَفِي الْوَلَدُ.
وَالثّالِثُ أَنّهُ يُلَاعِنُ لِلْقُذُفِ وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ وَالثّلَاثَةُ رِوَايَاتٍ عَنْ مَالِكٍ وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَد: أَنّهُ لَا يَصِحّ اسْتِلْحَاقُ الْوَلَدِ كَمَا لَا يَصِحّ نَفْيُهُ. قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ وَإِنْ اسْتَلْحَقَ الْحَمْلَ فَمَنْ قَالَ لَا يَصِحّ نَفْيُه قَالَ لَا يَصِحّ اسْتِلْحَاقُهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ. وَمَنْ أَجَازَ نَفْيَهُ قَالَ يَصِحّ مَذْهَبُ الشّافِعِيّ لِأَنّهُ مَحْكُومٌ بِوُجُودِهِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ النّفَقَةِ وَوَقْفِ الْمِيرَاثِ فَصَحّ الْإِقْرَارُ بِهِ كَالْمَوْلُودِ وَإِذَا اسْتَلْحَقَهُ لَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَلْحَقَهُ بَعْدَ الْوَضْعِ. وَمَنْ قَالَ لَا يَصِحّ اسْتِلْحَاقُهُ قَالَ لَوْ صَحّ اسْتِلْحَاقُهُ لَلَزِمَهُ بِتَرْكِ نَفْيِهِ كَالْمَوْلُودِ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ لِلشّبَهِ أَثَرٌ فِي الْإِلْحَاقِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْمُلَاعَنَةِ وَذَلِكَ مُخْتَصّ بِمَا بَعْدَ الْوَضْعِ فَاخْتَصّ صِحّةُ الْإِلْحَاقِ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَلْحَقَهُ ثُمّ نَفَاهُ بَعْدَ وَضْعِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ فَأَمّا إنْ سَكَتَ عَنْهُ فَلَمْ يَنْفِهِ وَلَمْ يَسْتَلْحِقْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ عِنْدَ أَحَدٍ عَلِمْنَا قَوْلَهُ لِأَنّهُ تَرْكُهُ مُحْتَمَلٌ لِأَنّهُ لَا يَتَحَقّقُ وُجُودُهُ إلّا أَنْ يُلَاعِنَهَا فَإِنّ أَبَا حَنِيفَةَ أَلْزَمَهُ الْوَلَدَ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ.

.فَصْلٌ: السّنّةُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ:

وَقَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ فَفَرّقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُمَا وَقَضَى أَلّا يُدْعَى وَلَدُهَا لِأَبٍ وَلَا تُرْمَى وَمَنْ رَمَاهَا أَوْ رَمَى وَلَدَهَا فَعَلَيْهِ الْحَدّ وَقَضَى أَنْ لَا بَيْتَ لَهَا عَلَيْهِ وَلَا قُوتَ مِنْ أَجْلِ أَنّهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ وَلَا مُتَوَفّى عَنْهَا. وَقَوْلُ سَهْلٍ فَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى إلَى أُمّهِ ثُمّ جَرَتْ السّنّةُ أَنّهُ يَرِثُهَا وَتَرِثُ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللّهُ لَهَا. وَقَوْلُهُ مَضَتْ السّنّةُ فِي الْمُتَلَاعِنَيْنِ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُمَا ثُمّ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا. وَقَالَ الزّهْرِيّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَرّقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ لَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا. وَقَوْلُ الزّوْجِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَالِي؟ قَالَ لَا مَالَ لَك إنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا؟ فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ أَبْعَدُ لَك مِنْهَا. فَتَضَمّنَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ عَشَرَةَ أَحْكَامٍ.

.التّفْرِيقُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ:

أَحَدُهَا: أَنّ الْفُرْقَةَ تَحْصُلُ بِمُجَرّدِ الْقَذْفِ هَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَالْجُمْهُورُ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ ثُمّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ الْبَتّيّ وَمُحَمّدُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ وَطَائِفَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ: لَا يَقَعُ بِاللّعَانِ فُرْقَةٌ أَلْبَتّةَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي صُفْرَةَ اللّعَانُ لَا يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ وَاحْتَجّوا بِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الطّلَاقَ بَعْد اللّعَانِ بَلْ هُوَ أَنْشَأَ طَلَاقَهَا وَنَزّهَ نَفْسَهُ أَنْ يُمْسِكَ مَنْ قَدْ اعْتَرَفَ بِأَنّهَا زَنَتْ أَوْ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ كَذِبٌ بِإِمْسَاكِهَا فَجَعَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِعْلَهُ سُنّةً وَنَازَعَ هَؤُلَاءِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا: اللّعَانُ يُوجِبُ الْفُرْقَةَ ثُمّ اخْتَلَفُوا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ.